ظاهرة ملكة النحل (متلازمة ملكة النحل)


نبدأ استعراضنا بتحديد لظاهرة ملكة النحل. تُطلق العبارة الازدرائية "ملكة النحل" على النساء اللواتي يسعين لتحقيق النجاح الفردي في أماكن العمل التي يسيطر عليها الذكور (المنظمات التي يشغل فيها الرجال معظم المناصب التنفيذية) عن طريق التكيف مع الثقافة الذكورية والابتعاد عن النساء.
ويشير مصطلح "متلازمة ملكة النحل" إلى النساء البارزات في الثقافات التنظيمية الذكورية الذين حققوا طموحاتهم الوظيفية من خلال فصل أنفسهم عن جنسهم مع الإسهام في الوقت نفسه في القوالب النمطية الجنسانية للنساء الأخريات. يفترض في كثير من الأحيان أنّ هذه الظاهرة تُساهم في التمييز بين الجنسين في المنظمات، وهي متأصلة في شخصيات المرأة الناجحة.
يقول أحد المستشارين الرئيسيين ذو 50 عام "من تجربتي أرى أنّ النساء بشكل خاص هنّ أكبر عدو للنساء: إنّهنّ يتعرضن للانتقاد من النساء الناجحات بشكل أكبر من الرجال".
تشير الأدلة إلى أنّ النساء في مناصب تنفيذية يحمين قوتهن الخاصة ويغارن من مشاركته مع الآخرين.
بسبب العوائق الأخرى التي تواجهها النساء في عالم الشركات، وترتبط هذه الأمور بالعرق ونوع الجنس والمحسوبية والدعم التشريعي لبعض الجماعات العرقية فقط ... وما إلى ذلك.
ينظر بعض اختصاصي التوعية والأخصائيين الجنائيين إلى هذا السلوك على أنّه شكل من أشكال التنمر أو الوحشية التي ترتكبها النساء ضد نساء أخريات في حين أنّ بيئات أخرى تصف السلوك على أنه تمييز منهجي وتصرفات وسلوكيات نرجسية على حساب زميلات أو مرؤوسات أخريات.
وقد كشفت الأبحاث حول هذه الظاهرة عن ثلاث طرق تقوم بها النساء بهذا: (1) بتقديم أنفسهن على أنهن أكثر شبهاً بالرجال، (2) عن طريق الابتعاد ماديًا (المادة) ونفسيَا عن النساء الأخريات، و (3) عن طريق إقرار التسلسل الهرمي الحالي للجنس وإضفاء الشرعية عليه.
1*العرض الذاتي كشبيه بالرجل (التشبه بالجنس الذكر(
قد تكون الطريقة الأكثر وضوحًا التي تحاول فيها النساء اللواتي استطعن الحصول على مناصب قيادية في المؤسسات التي يسيطر عليها الرجال هي إقراراهن وتأكيدهن على الخصائص التي يرون أنها خصائص ذكورية وأساليب قيادة. ولأن الصور النمطية عن خصائص القادة الناجحين (أي الصفات الجوهرية) من ناحية، وأدوار الجنس المرتبطة بالمرأة (أي الصفات المرتبطة بالجماعة الانثوية) من ناحية أخرى لا تتطابق، فإن المرأة في وضع غير مؤات لتحقيق مراكز قيادية. هناك العديد من الدراسات التي تشير إلى أنّ النساء يحاولن حل هذه المطالب المتناقضة من خلال التأكيد على الخصائص التي يرونها على أنها مرتبطة بالنجاح الوظيفي، أي أنّ السمات القيادية مرتبطة بشكل نمطي بالرجال.
على سبيل المثال، في دراسة أجريت بين أعضاء هيئة التدريس الذكور والإناث في الجامعات في إيطاليا، وصفت عينة من هيئة التدريس العليا من الإناث أنفسهن بأنهن على الأقل متساويات أو أكثر في خصائص (الحزم، التنافسية، المخاطرة) من أقرانهن الذكور. وجدت دراسة حديثة بين أعضاء مجالس الإدارة في هولندا أنّ أعضاء مجالس الإدارة وصفوا أنفسهم بأنهم أكثر توجهًا لكيان -السمة والمنزلة الذكورية النمطية -من الضوابط الأنثوية، وحتى نظرائهم من الذكور. وقد وجدت نتائج مماثلة بين الصفوف العليا من النساء في حقل الشرطة.
وقارنت دراسة أخرى مباشرة بين الأوصاف الذاتية للنساء والرجال في المناصب الدنيا والعليا، ووجدت أن القيادات النسائية وصفن أنفسهن بأنهن ذكورية وطموح من النساء المبتدئات، ولكنهن يتمتعن بنفس القدر من الذكورة والطموح مثل نظرائهن الذكور، ومن الجدير بالذكر أنّ الدرجة التي قُدِّمت بها القائدات أنفسهن بالصفات الذكورية النمطية مرتبطة ارتباطًا إيجابيًا بعدد المرؤوسين التابعين لها.
وتوحي هذه النتائج مجتمعةً أنه بدلًا من تبني "المنظور الأنثوي" في القيادة، تندمج النساء في التعاريف الذكورية للقيادة وتستوعبها بينما ترتقي في السلم التنظيمي.
2*التشديد على الاختلافات ووضع مسافات من النساء الأخريات
الطريقة الثانية التي يمكن للنساء من خلالها تحسين فرصهن الشخصية في المنظمات التي يسيطر عليها الذكور هي الابتعاد عن النساء الأخريات. على سبيل المثال، وُجد أنّ القيادات النسائية أفدن بأنهن أكثر طموحًا وملتزمات بمستقبلهن الوظيفي أكثر من مرؤوسيهن -لكن ليس الذكور-، بالإضافة إلى ذلك، فإنّ النساء اللواتي حققن النجاح في سياقات تميزن بالتحيز ضد المرأة يملن إلى اعتبار أنفسهن مختلفات تمامًا عن النساء الأخريات.
فهم لا يقدمون أنفسهن فقط على أنهم ذو ذكورية نمطية فحسب، بل يرون أنفسهم أكثر رجولية مقارنة بالنساء الأخريات، وأكدت البحوث التي أجريت في شركات المحاماة التي يهيمن عليها الذكور هذه النتائج بإظهار أنّ النساء صغار السن ينظرن بالفعل إلى النساء الشريكات على أنهم ينأون بأنفسهم عن هويتهم الجنسية ومن الجدير بالذكر، أنّه وُجد في الآونة الأخيرة أنّ ملكات النحل يملن إلى الابتعاد عن صغار النساء، من خلال الادعاء بأنهن أكثر رجولية والتزام من النساء المبتدئات، ولكنهن لا ينأين بأنفسهن عن النساء في نفس الرتبة، هذه النتيجة تشير إلى أنّ ملكات النحل لا يبعدن أنفسهن عن النساء بشكل عام ولكن من النساء اللواتي لم يكن ناجحات كما كانت عليه.
3*شرعية الهرمية الجنسانية
ولعل الأكثر ضررًا هو حقيقة أن سلوك ومواقف ملكة النحل قد تعمل على إضفاء الشرعية على عدم المساواة الحالية بين الجنسين. يمكن لملكة النحل أن تضفي الشرعية على الوضع الراهن بعدة طرق، على سبيل المثال، من خلال الاتفاق على الصور النمطية عن المرأة، عن طريق إنكار عدم شرعية النتائج الأقل للمرأة في المجموعة، وعدم دعم العمل (أو حتى معارضته) لمعالجة عدم المساواة بين الجنسين. على سبيل المثال، من خلال كونها منتقدة للغاية للنساء المبتدئات وتأييد الصور النمطية للمرأة الصغيرة أقل طموحًا وأقل التزامًا من صغار الرجال، فإن ملكة النحل تضفي الطابع الشرعي على الفروق الحالية بين الجنسين في النتائج المهمة التي تضع النساء في وضع غير مؤات مقارنةً بالرجال.
وقد تبين أنّ النساء اللواتي حققن نجاحًا شخصيًا في المنظمات التي يهيمن عليها الذكور يعتبرون إجراءات الاختيار شرعية، حتى عندما تكون هناك علامات واضحة على التحيز ضد المرأة، وفي الدراسة التي تمت على عناصر الشرطة من النساء، وُجد أن النساء في المراكز العليا من الشرطة أنكرت أنّ التمييز بين الجنسين لا يزال يمثل مشكلة في تنظيمها، وأفادت عن وجود رغبة منخفضة في تعليم النساء الصغيرات.
فيما يتعلق بإنكار الخلل الهيكلي، وجد أن ملكات النحل تعارض سياسات المساواة مع النساء في المراكز الدنيا.
على سبيل المثال، وجدت إحدى الدراسات أنه في حين كانت النساء على المستوى غير الإداري أكثر تأييدًا لسياسات المساواة بين الجنسين أكثر من الرجال (على سبيل المثال، المرونة، سياسات الحصص، والتدريب الإضافي للنساء)، كانت النساء على المستوى الإداري غير مساندة لهذه التدابير مثل الرجال، وبالمثل، عارض 58٪ من عينة الإدارة العليا في أستراليا سياسات الحصص المصممة لتشجيع المزيد من النساء في المراكز العليا.
وقد أظهرت دراسة أنّ الدراسات العليا التي أجريت على هذه النتائج أنّ ملكات النحل يعارضن سياسات الحصص التي من شأنها أن تعود بالنفع على حياة النساء المبتدئات أو التي ستفيدهن.
ومع ذلك، فقد دعمت هؤلاء النساء السياسات المصممة لدعم النساء من في رتبتهن التنظيمية الخاصة بهن.
تقترح هذه النتيجة مرة أخرى أنّ استجابات ملكة النحل تستهدف النساء المبتدئات، لكنها لا تشير إلى إحجام عن دعم المرأة بشكل عام.

إعداد: مصعب خرفان.
تدقيق لغوي: نصر جعفر عبّاره
تصميم: ابداوا خالد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

10 مواقع بسيطة لتعليم الأطفال البرمجة

سحب كميات من البذور المخزنة في قبو “يوم القيامة”

كُلُّ عِزٍّ لَمْ يُؤَيَّدْ بِعِلْمٍ؛ فَإِلَى ذُلٍّ مَا يَصِيرُ

التشدّق والتكلف في الكلام مواقفُ و طرائف